
تعرفت منذ سنوات على أجهزة راسبيري باي وتولدت لدي الرغبة حينها في اقتناء أحدها لممارسة مشاريع ذات صلة بإنترنت الأشياء بهدف التعلم. ورغم أني شاركت بعدها في الإشراف على مشاريع تخرج جامعية استخدم فيها راسبيري باي وأردوينو، لكني لم أحقق تلك الرغبة في اقتناء أحدها إلى أن قررت ذلك مؤخرا.
راسبيري باي هو حاسوب مصغر في حجم قبضة اليد يشتمل على لوحة أم صغيرة مدمج بها معالج وذاكرة عشوائية ومنافذ توصيل مختلفة، وهو في تكوينه لا يختلف عن أي حاسوب تقليدي، لكن ما يميزه هو صغر حجمه وقابلية توصيله بأجهزة أخرى عبر منفذ الدخل والخرج متعدد الأغراض والتحكم فيها على المستوى المنخفض — مستوى الإشارات الكهربية.
معالج راسبيري باي يأتي ببنية ARM المستخدمة أساسا في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ورغم أن نظام التشغيل المدعوم رسميا لتشغيله مبنى على نظام لينوكس المستخدم على الحواسيب الشخصية، إلا أن بنية المعالج تفرض بعض القيود على البرامج التي يمكن تنزيلها وتشغيلها عليه. إذ لابد أن يتوافر منها إصدارات مخصصة للعمل على المعالجات من هذا النوع. ومع ذلك، فالكثير من البرامج المعروفة متوافرة بالفعل على مستودعات البرامج الرسمية لنظام التشغيل.
حتى تاريخ كتابة هذه السطور، كان الإصدار الأخير من راسبيري باي هو الإصدار الرابع الصادر في 2019، والذي صدر منه لأول مرة نسخة مزودة بذاكرة عشوائية بحجم 8 جيجا بايت، وبهذا أصبح من الممكن نظريا استخدام راسبيري ياي كحاسوب شخصي لأداء معظم المهام الشخصية والمكتبية مع توصيله بالطبع بأجهزة الإدخال والإخراج المناسبة (فأرة، لوحة مفاتيح، وشاشة).
المكونات الأساسية
تحت تأثير الرغبة في تجربة شيء جديد وبدافع الهروب المؤقت من إحباطات الحياة (والدراسات العليا)، قررت شراء جهاز راسبيري باي 4 من الإنترنت. ومع أن سعر الشراء من موقع أمازون الأمريكي قد يكون أقل من سعر الشراء من البائعين المحليين داخل مصر (مع إضافة الرسوم الجمركية وتكلفة الشحن) لكن لعلمي المسبق أن شراء الأجهزة التي تدعم الاتصالات اللاسلكية من خارج مصر يشتمل على بعض التعقيدات الإجرائية، قررت تجربة شرائه من أحد البائعين على موقع سوق (وذلك قبل تحوله رسميا إلى أمازون مصر في 2021). وخوفا من المجازفة، اخترت الإصدار المزود بذاكرة عشوائية حجمها 4 جيجا بايت. لكن وبعد تفكير لاحق، ربما كان من الأفضل اقتناء الإصدار ذي الذاكرة الأكبر (8 جيجا بايت).
كانت تكلفة شرائه من الإنترنت هي 1700 جنيه مصري تقريبا، لكن الجهاز يباع كلوحة أم مدمج بها المعالج والذاكرة ومنافذ التوصيل وذلك لا يكفي لتشغيله واستخدامه كحاسوب شخصي، فهو يحتاج لإضافة:
1- بطاقة ذاكرة مصغرة Micro SD لتخزين نظام التشغيل والملفات. وهي هنا بديل القرص الصلب في الحواسيب التقليدية.
2- كابل توصيل أو محول من HDMI المستخدم في شاشات العرض إلى منفذ Micro HDMI الموجود بالجهاز.
3- مزود طاقة بقدرة 15 وات على الأقل مع كابل من نوع USB Type-C لتزويد الجهاز بالطاقة الكهربية. يمكن استخدام الشاحن الخاص بالهاتف الذكي إذا كان بالمواصفات المطلوبة، وهو ما فعلته في البداية.
4- اختياريا ولكن يفضل و بشدة وضع الجهاز ضمن صندوق مخصص لتغليفه وحمايته من المؤثرات الخارجية أثناء التشغيل. خاصة إذا كان الغرض استخدامه كحاسوب شخصي. وفي هذه الحالة قد يحتاج الجهاز أيضا إلى وحدة تبريد (على قده) للحفاظ على مستوى أدائه وحمايته من ارتفاع درجة الحرارة أثناء التشغيل.
التجربة الأولى
اخترت شراء بطاقة الذاكرة (من نوع جيد) من أحد المحلات التجارية المتخصصة في مستلزمات الهواتف المحمولة، ومحول HDMI إلى Micro HDMI من أحد محلات مستلزمات الحواسيب. وعلى سبيل التجربة الأولية استخدمت شاحن هاتفي الذكي كمزود طاقة. قمت بتنزيل نسخة نظام التشغيل ونسخه بنجاح على بطاقة الذاكرة. في النهاية لم تكن تلك المرة الأولى التي أثبت فيها نظام تشغيل مبنى على لينوكس فهو نظام التشغيل الأساسي على معظم أجهزتي الأخرى منذ 14 عاما.

بدأت التجربة بإقلاع نظام التشغيل وضبط إعداداته. تمكن النظام من التعرف على شاشة العرض التليفزيونية التي قمت بتوصيلها له وبعد ضبط الإعدادات وإعادة الإقلاع كانت الصورة تظهر بوضوح ودقة عالية.
واجهة النظام الرسومية مبنية على LXDE وهي واجهة بسيطة مصممة للأجهزة منخفضة الإمكانيات وتعمل بسلاسة تامة على راسبيري باي 4. لا يمكنني الادعاء بأن الواجهة الرسومية تنافس واجهة Windows 10 أو الواجهات الأثقل على لينوكس مثل KDE أو Gnome، لكنها تؤدي الغرض بكفاءة.
يأتي النظام مزودا ببعض البرامج الأساسية مثل مستعرض ملفات ومتصفح إنترنت ومحرر نصوص، لكن يمكن إضافة المزيد من البرمجيات بتنزيلها من مستودعات البرامج الرسمية لراسبيري باي.
أول مشكلة تقنية
صادفتني أولى المشاكل التقنية مع راسبيري باي عند انقطاع اتصال الواي فاي، وعدم قدته على الاتصال بها، شككت أن للأمر علاقة ببعض التحديثات التي أجريتها على النظام وحاولت حل المشكلة لكن دون جدوى. بعد البحث على الإنترنت اتضح أن المشكلة تكمن في أحد عيوب التصنيع التي تمنع اتصال الشبكة اللاسلكية على ترددات (قنوات اتصال) معينة عند استخدام دقة الشاشة عالية الوضوح.
كان الحل الأبسط هو ضبط موجه الشبكة اللاسلكية لاستخدام قناة اتصال مختلفة ليست عرضة لهذا التداخل، وفعلا نجح الحل في استعادة الاتصال. لكن لأكون صادقا، فإن وجود مشكلة تقنية كهذه لم يكن أمرا مطمئنا، ومع ذلك اخترت المتابعة وكأن شيئا لم يكن.
بناء الحاسوب الجديد
استكمالا لمكونات الحاسوب الجديد قمت بالبحث على أمازون عن صندوق تغليف مناسب يشتمل على مروحة تبريد وماصات الحرارة وعن مزود طاقة جيد وأضفتهما لطلب شراء كان مشتملا على سلع أخرى تقلل من هامش الخسارة الناتج عن تكلفة الشحن والرسوم الجمركية لتجعل منها صفقة جيدة نسبيا كقيمة مقابل سعر.
اخترت صندوق التغليف من MazerPi، ومزود الطاقة من CanaKit. اتبعت الخطوات المذكورة في الدليل المطبوع من MazerPi وقمت بتثبيت ماصات الحرارة اللاصقة على المعالج والذاكرة ومجموعة الشرائح وتثبيت الجهاز داخل الصندوق بعد تركيب المروحة وتوصيلها على أحد سنون منفذ الدخل والخرج متعدد الأغراض.

لم يكن مزود الطاقة بحاجة لدليل استخدام، لكن كان بحاجة لمحول مقبس لاختلاف المقبس الموجود به من نوع A عن المقابس المستخدمة في مصر من نوع C. والحديث هنا عن مقابس توصيل الطاقة الكهربية بالحوائط وليس عن وصلات USB.
محول الطاقة من CanaKit لأجهزة راسبيري باي 4 بمقبس من نوع A
ورغم إمكانية تشغيل الجهاز على شاحن الهاتف الذكي إذا استوفى الشروط، لكن يفضل إقتناء مزود طاقة مصمم لأجهزة راسبيري باي. حتى أنني بعد اقتنائي له أصبحت حتى أستخدمه كشاحن بديل لهاتفي وخاصة أنه بقدرة 15 وات وله كابل توصيل سميك له قدرة تحمل أعلى.
وأخيرا، اكتملت المكونات وأتممت تجميع الحاسوب المصغر الجديد. أما عن تجارب الاستخدام، فللحديث بقية بمشيئة الرحمن.